أوجست رينوار – 1841م – 1919م

قد يوصف مونيه وبيسارو وسيسلي بأنهم رسامو المشاهد الطبيعية. غير ان اوجست رينوار نذر نفسه بصورة رئيسة لرسم الاشخاص. وكان هو الآخر

اتخذ من الضوء له مذهبا واستغله في كل صورة من لوحاته . لكنه بدلا من الامساك به قبل ان ينسل سريعا فيغير الوان السماوات والماء والحشائش والاشجار ، وجد متعة في اقتناصه وهو يداعب وجه أو جسد شابة. وعلى الرغم من انه أراد للضوء ان يخترق الاجساد ،الا انه لم يشأ لها أن تتلاشى فيه . فحجمها، وإلى حد ما توازنها، كان يعني الكثير له في هذا المجال .. كان وضعه يشبه إلى حد ما وضع مانيه الذي يماثله أيضا في تعلقه بالتراث ورينوار مثل مانيه كان معجبا بتسيانو وفيلاسكز وديلا كروا .



كما ابدى حماسا معادلا لروبنز وبوشير.. فا لإثارة الحسية التي كانت غريزة لديه. مع انها بطبيعتها لم تماثل ما يملكه هو.. ذلك لأنه من النادر أن يرسم روبنز أ وبوشير عاريات دون التلميح لفكرة الفاكهة المحرمة. أما بالنسبة لرينوار فالعري حالة طبيعية جدا.. لاشيىء أبعد من الرذيلة بالنسبة إلى عاريات رينوار. فليس فيها من الدعارة أو الفسوق شيىء. فهذه الأجسام اللؤلؤية الرقيقة تبدو في الواقع كأنها لم تعرف حمى العواطف وجيشانها . لوحاته تبدو أمامنا في حالة براءة. براءة حياة حيوانية هادئة. في فن رينوار لم نعثر على أثر للعذاب وللقلق الذهني . او للتعقيدات النفسية . ونحن حتى في صوره الشخصية أمام وجوه متالقة مستبشرة لاتعبرإلا عن لذة العيش في العراء في غمرة الضوء الناعم والشديد معا ونساء رينوار في الواقع شابات نضرات في معظم الاحيان . والمرأة عنده هي حواء التي تسكن جنة لاوجود فيها لشجرة المعرفة أو لأفعى.. شيىء من الفردوس يبقى مكتنفا امراة رينوار حتى حين تضع عليها ثياب شابة باريسية أو حين ترقص تحت أشجار (طاحونة جاليت) او حين تصغي إلى الموسيقا أوتضع القبعة على رأسها لدى الخياط .. هي المرأة باوضاعها المختلفة تنتمي تماما إلى الفترة التي رسمت فيها .



وعلى الرغم من أن رينوار كان قد رسم عددا من الاعمال عدت من روائع الانطباعية، اعتقد بأنه وصل إلى طريق مسدود. وبعد سفره إلى إيطاليا اعجب بروفائيل، شرع يفكر باهمية التخطيط فركز عليه سنوات حتى غدت رسومه قاسية والوانه حادة وضوؤه جامدا وتكوينه مفتعلا . ولكنه خرج من أزمته لاحقا ناضجا متجددا وازال القسوة من تخطيطاته ومنح الشكال ثباتا وتماسكا جديدا ولم يعد ضوؤه جامدا واستعاد حريته الوامضة وصار الضوء ينساب في الأجساد عميقا. فرينوار الذي عاش معظم أيامهمنذ عام1897م في جنوب فرنسا، أراد ان يعرض نساءه للشمس الحارة المنعشة لينضجن كما ينضج الخوخ. وعندما يتخيا رينوار المشاهد التي تسترخي فيها نساؤه، لايعود يفكلر بالمسرات التي يستمتع بها سكان المدينة . كان يفكر بالنساء الأقرب للباخوسيات اللواتي يجدهن الواحد عندما يتخلى عن تقاليده الاجتماعية وينطلق إلى الطبيعة.. فاجسم نسائه بضة طرية غنية إلى حد الإفراط كما قد يتبادر للمرء. لو لم يكن واضحا عن الفنان كان يرمي أبعد من كونه شيئا جماليا بحتا.. غنه عشق الحياة وتمجيدها بعطائها وبدائيتها ونشوتها. ولئن يكن مثل هذا الضوءالثملقد اكتسح كل ما في أعماله الأخيرة، ولئن يكن الدم الذي يسري في عروق هاته النسوة والنسغ الذي ينتشر في الأشجار والنباتات يبدو وكان مصدره واحد. فالأجسام لاتتلاشى قط في المشهد الطبيعي، بل تثريه بأشكال طرية وإيقاعات دقيقة في الوقت الذي تحافظ فيه على حيويتها ومتانتها وصلابتها.





لاحظ كتاب ( مائة عام من الرسم الحديث)الذي حرره جي – إي مولر وفرانك إيلجر وترجمه فخري خليل وراجعه جبرا ابراهيم جبرا وصدر عن دار المامون للترجمة والنشر – بغداد – 1988م